مهمة لجنة كتابة أو صياغة الدستور الجديد مهمة صعبة، ولكن الأصعب منها هو مهمة لجنة كتابة التاريخ الجديد!، فكتب التاريخ المدرسى تعانى من ضعف شديد فى الرؤية التاريخية والحس العلمى والمنهج المحايد، وأنا أعرف جيداً أن التاريخ ليس فيزياء أو كيمياء لكى يتحول إلى معادلات صارمة وأرقام جافة ورموز صامتة، فالتاريخ لا يحدث فى معمل ولا تتفجر أحداثه من خلال أنبوبة اختبار، ولكنه يُصنع بتفاعل البشر وأحلامهم وتطلعاتهم وإحباطاتهم، ولكنى أعرف أيضاً أن تاريخ مصر ليس هو تاريخ الحزب الوطنى وإنجازاته، وإننى عندما أكتب عن التاريخ الحديث، فانحيازى لابد أن يكون للحقيقة التى ستقدم للأجيال الجديدة وليس للمزاج الشخصى للمؤرخ أو الانحياز الخاص للكاتب، ولابد أن تكون هناك عدالة فى تقسيم الحقب الزمنية وحجم تغطيتها، فعندما أتحدث عن عصر ما بعد محمد على حتى الآن، فلا يمكن لحقبة ما أن تحتل وتنتصر وتزيح حقباً أخرى لصالح وجهة نظر منحازة.

كتاب التاريخ لابد أن يكون شرارة وعى لا حقنة مخدر، ولابد أن يكون تدريباً على تكوين رؤية سياسية واضحة غير ضبابية، لا تزييفاً لهذه الرؤية، فلم يعد مجدياً ولا نافعاً أن يتحول كتاب التاريخ إلى دليل تليفونات بارد به اسم القائد وزمن المعركة، وكان الله يحب المحسنين!!، لم يعد مجدياً ولا نافعاً أن يتحول التلميذ إلى شريط كاسيت يتقيأ تواريخ الحروب والثورات على ورق الإجابة دون فهم أسباب وخلفيات تلك الحروب، لم يعد كتاب التاريخ مادة نجاح أو رسوب مدرسية، لكنه أصبح مادة نجاح أو رسوب وطنية.

ماذا سيفعل مؤلفو كتاب التاريخ المدرسى الجديد حينما سيتصدون لكتابة تاريخ أحداث ثورة يناير وزمن مبارك ودور الأحزاب... إلخ، أعتقد أنها مهمة صعبة وحساسة وتحتاج استعداداً خاصاً من تلك اللحظة، هذا الاستعداد ليس هو الاستسهال، فمن أسهل المهام شطب التاريخ وراحة الدماغ، ولكن الشطب والتجاهل واللامبالاة ليست هى الحل، إنما الحل فى زرع وتنمية الوعى التاريخى، لأن امتلاك هذا الوعى هو حائط الصد ضد أى تزييف أو فساد، امتلاك الوعى التاريخى هو خير ضمان للحفاظ على مكاسب الثورة السياسية والقفز إلى النهضة الاقتصادية، امتلاك الوعى التاريخى مهم للشعب والقادة والمسؤولين على السواء، هو صمام الأمان حتى لا يفكر أحد فى ممارسة ديكتاتورية مرة أخرى، أو توهم موت شعب وسكونه مرة أخرى.

لابد قبل أن تكتب لجنة كتابة التاريخ المدرسى أى شىء أن تسأل نفسها سؤالاً محدداً: ماذا نريد أن يصل إلى عقل وذهن الطالب؟ هل نحن نقدم مجرد معلومات مرتبة ترتيباً زمنياً؟ هل نحن نكتب تاريخ الملوك والرؤساء أم تاريخ الناس والشعب؟ هل نحن ندرب الطالب على التفكير وننمى عنده الحس النقدى أم نهيئه ليكون خزانة معلومات وتواريخ من الفولاذ؟!!، هذا هو السؤال الذى لابد أن تجيب عنه وزارة التربية والتعليم قبل تأليف كتب تاريخ جديدة للمدارس.